Google

2005-06-15

أطفال العراق يدفعون الثمن

بعد أكثر من سنتين على بدء الحرب في العراق، لا يزال الأطفال ضحاياها الرئيسيين. وفي الوقت ذاته، تستمر صحة غالبية السكان في التدهور. وفي ثمانينات القرن الماضي، كان العراق يملك واحداً من أفضل أنظمة الرعاية الصحية في المنطقة؛ أما اليوم، فهو عاجز عن تلبية احتياجات السكان
وهذه هي المرة الثالثة خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة بعد الحرب مع ايران من 1980 الى 1988 وحرب الخليج سنة 1991 التي يعاني فيها المدنيون العراقيون، ومعظمهم من الأطفال، عواقب الحرب. وهذا يحدث في بلد نصف سكانه تقريباً دون سن الثامنة عشرة

في سنة ،1991 كان هنالك 1800 مركز للرعاية الصحية في العراق. وبعد أكثر من عقد من الزمن، انخفض هذا العدد الى النصف تقريباً، كما ان نحو ثلث هذه المراكز الموجودة حالياً تحتاج الى اصلاح واعادة تأهيل. وعلى مؤشر التنمية البشرية لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، انخفضت مرتبة العراق من 96 الى ،127 في انحدار هو من أكثر انحدارات مستوى الرفاه الانساني مأساوية في التاريخ الحديث.

وتبعاً لما يقوله جين زيجلير، الخبير الخاص في لجنة حقوق الانسان المنبثقة عن الأمم المتحدة في حق الحصول على الغذاء، فإن معدل سوء التغذية بين أطفال العراق قد تضاعف تقريباً منذ اطاحة صدام حسين في أبريل/ نيسان 2003. فمعدل سوء تغذية أطفال العراق، الذي يساوي اليوم 7،7%، يعادل تقريباً نظيره في بوروندي، وهي الدولة الافريقية التي مزقتها الحرب على مدى أكثر من عقد من الزمن. وهو أعلى بكثير من معدلات سوء تغذية الأطفال في أوغندا وهايتي، الدولتين اللتين دمرهما أيضا العنف الذي لا يلين.

وتختلف المشاكل الصحية للسكان اختلافاً هائلاً عما كان يواجهه صغار العراقيين قبل جيل من الآن، حين كانت السمنة أحد مصادر القلق الرئيسية في مجال التغذية العامة. وقد بدأت معدلات سوء التغذية المرتفعة في تسعينات القرن الماضي بعد العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة لمعاقبة نظام صدام حسين على غزو الكويت سنة 1990. ولكن بعد غزو 2003 من قبل قوات التحالف أدت حلقة مفرغة من عنف المتمردين وهجمات قوات الاحتلال المضادة، الى تدمير البنية التحتية الصحية في البلاد.

وقاد غياب التيار الكهربائي الذي يمكن الاعتماد عليه، ونقص المياه الصالحة للشرب في أنحاء البلاد المختلفة الى مفاقمة تدهور صحة السكان، الى جانب ظهور الكوليرا وحمى التيفوئيد، وبخاصة في جنوب العراق. كما كان انهيار أنظمة المياه والصرف الصحي السبب المحتمل لانتشار مرض التهاب الكبد القاتل بوجه خاص للنساء الحوامل.

وتبعاً لأحد التقديرات، فإن 60% من سكان الأرياف، و20% من سكان المدن لا يستطيعون الحصول إلا على مياه ملوثة. وفي المناطق المصابة أكثر من غيرها، يفتقر أكثر من 70% من مباني المدارس الابتدائية الى المياه الصالحة للشرب. (وحسب احصاءات البنك الدولي، لا يذهب 25% من أطفال العراق الذين هم في سن الدراسة الابتدائية، الى المدارس. وتذكر احصاءات وزارة التربية والتعليم ان 80% من المدارس تحتاج الى ترميم، و9% منها تحتاج الى هدم).

ومئات الآلاف من الأطفال الذين ولدوا منذ بداية الحرب الحالية لم يأخذوا التطعيمات اللازمة، كما ان خدمات التحصين الروتينية ضد الأمراض، في المناطق الرئيسية من البلاد، معطلة جميعها تقريباً. وقد حول تدمير أجهزة التبريد اللازمة لتخزين اللقاحات ضد الأمراض، الكمية المتوفرة منها الى شيء عديم النفع.

وحتي المضادات الحيوية زهيدة التكلفة تعاني النقص في كمياتها، مما يزيد خطر تعرض السكان للموت بسبب الاصابات الشائعة. والمستشفيات مزدحمة، والعديد منها يغرق في الظلام في الليل بسبب الافتقار الى تجهيزات الاضاءة. ويدعي وزير الصحة العراقي أن 100% من مستشفيات العراق يحتاج الى إعادة تأهيل.

ومما زاد الطين بلة، ان منظمات العون الدولية مثل منظمة “أطباء بلا حدود”، ومنظمة “كير” الدولية، قد أوقفت عملياتها في العراق بسبب مخاطر العنف. وكان لكلتا الجماعتين في العادة مقدرة عالية على تحمل المخاطر وسجل مشهود من التعاون مع سلطات الصحة العامة في البلاد.

وقد أجرى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مجموعة بحث مقرها واشنطن، في الآونة الأخيرة تقديرات لوضع خمسة من قطاعات إعادة البناء في العراق، هي: الأمن، الادارة والمشاركة، والفرص الاقتصادية، والخدمات والعافية الاجتماعية. واستنتج المركز أن قطاع الرعاية الصحية، هو القطاع الآخذ بالتدهور أسرع من سواه. ونتيجة لكل اخفاقات الصحة العامة هذه، كان العراق هو الدولة التي أحرزت أقل تقدم في خفض معدل وفيات الأطفال منذ تسعينات القرن الماضي.

الكبار يمارسون ألعاب حربهم المنحرفة، والأطفال يعانون ويدفعون الثمن. هذا قرار اتهام صارم لأي حرب ولمن يقودون الحرب ويشرفون عليها دون تقدير لعواقبها المحتملة على أضعف فئات السكان المدنيين وأشدها هشاشة.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

eXTReMe Tracker